الثلاثاء، 21 أبريل 2009

ربما يجني الذكاء ما يجنيه الغباء على صاحبه

أحيان يكون الذكاء صنو الغباء في المضرة، وقرينه في عدم جلب المنفعة، هكذا قال بعض المفكرين الذين يرصدون بعض الملاحظات التي يتساوى فيها الجهل بالعلم والذكاء بالغباء والحمق بالعقل، وتختلط المواقف فيها على الأفهام فتتعطل عن اتخاذ القرار الذي يحقق المنفعة ويتعذر المتميز معه بين الصالح والطالح من الأمور التي لا تدرك مقاصدها إلا بتحريك العقل باستخدام مقاييس الذكاء، واتخاذ الجرعات المناسبة المسيطرة على الموقف، وفي هذه الحالة لا يكون الذكاء توأما للغباء لأنه يعول عليه في الإبداع والمعرفة وإثبات النتائج بالبراهين والحقائق، والتدليل على كل ما يقف الغباء أمامه عاجزا عن كشف سره وطريقة إيجاده أو الحصول عليه.وبعض الناس يرى أن الذكاء إذا تجاوز ما لايفهم عاد بالضرر على صاحبه وربما وصفوه بأنه ضرب من الجنون.أما الغباء فإنه يجني على صاحبه من المضار ما يدفعها عنه تجاوز حد العقل العادي لدى سائر الناس.وحول مفهوم ضرر الذكاء والغباء، أشار الشاعر المصري محمد طاهر الجبلاوي بقوله في قصيدة عنوانها (الحيرة): كم غبي يجني عليه غباء وذكي محيَّر بالذكاء

تشبيه الكريم الفقير بالشجاع المشلول

كثير من الناس قد تتوق نفسه إلى البذل والتكرم على المحتاجين، لكنه لا يملك ما يتكرم به وينفقه على المحتاجين، ولهذا نجده يتحسر ويضيق صدره ويحزن حينما يعتذر ممن يأتيه مستجدياً، ويشتد حرج نفسه حينما يرى الغني يعطي ويهب وهو ليس في وسعه إلا ترديد قولهم: (العين بصيرة واليد قصيرة). وألطف ما نقوله لذلك الخالي اليدين: (طالما أن نيتك صادقة في الإنفاق ولا يحول بينك وبين ذلك إلا عدم توافر المال في يدك، فإن النية منك تبلغ مبلغ العمل إن شاء الله. وما عليك إلا أن تجعل نصب عينيك قول الله جل شأنه في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} وسوف يتحقق لك اليسر إن شاء الله وتشبع رغبة نفسك من الإنفاق في وجوه الخير وتنافس الأغنياء من المسلمين في إسعاد الفقراء بالبذل والعطاء. ولن تكون مثل الشجاع المشلولة يده الذي وصفه الشاعر بقوله: إن الكريم الذي لا مال في يده مثل الشجاع الذي في كفه شلل

نوادر الأطباء ,, وطرائف المرضى!!

والمهتمون بجمع الطرائف والفكاهات وكل ما يضحك الناس من أنواع النوادر الأدبية لا يدعون مجالا من المجالات الّا وينقبون فيه عن فكاهة أو نادرة تناسب طبيعته فهناك الفكاهة في الفلاحة والنجارة والأدب والشعر والتجارة والطب والقضاء وغير ذلك من المجالات.فمن نوادر الطب والاطباء قولهم: أراد طبيب الامراض العقلية أن يمتحن أحد المجانين فسأله: لو شبَّ حريق في البحر ماذا تفعل ؟ فابتسم المجنون وقال: سأنتظر حتى ينطفئ الحريق ثم آكل السمك المشوي كله.قال المريض: يجب أن تعالجني مجانا يا دكتور قال له الطبيب: ولماذا لا تدفع مثل كل زبائن الحي؟قال المريض : لأني أنا الذي نقلت لهم العدوى.قال الطبيب للمريض : ألم أقل لك بأنك ستسير على قدميك خلال أسبوع واحد!! قال المريض: بالفعل : فقد بعت سيارتي لأدفع لك أتعابك.سألت المريضة الدكتور قائلة: أريد معرفة مرضي بالضبط فأجاب الدكتور : هناك ثلاثة أشياء:أولا: أنت تستعملين مساحيق كثيرة وثانيا: أنت سمينة جدا , وثالثا: نظرك ضعيف جدا لأنك لم تقرئي اللوحة التي على الباب ولو قرأتها لعرفت أنني طبيب بيطري.قال المريض: عندما أمشي يادكتور أشعر بالتعب , قال الطبيب : الأمر بسيط اركب تاكسي.ذهبت أفريقية مريضة إلى الطبيب فسألها: أيش عندك؟ فقالت: لوز مقلي وفصفص وحلاوة سمسمية.وما دام الحديث عن الطب والأطباء فلا بد من أن أسرد شعرا يعني طبيبا، فبعنوان مع الطبيب كتب الشاعر الفلسطيني صالح عبدالله الجيتاوي قصيدة ضمنها ديوانه صدى الصحراء وجهها إلى طبيب قام بعلاج ابنه عبدالله منها قوله: أتيتك يا طبيب بصنو روحي فضمد إذ تداويه جروحي أتيتك بادي الحسرات تغني مشاهدتي وحالي عن شروحي أتانا طارق الأحزان ليلا ثقيل الظل ذو الوجه القبيح وأسقم من بطلعته سروري سمير الروح بالآمال يوحي هل الحمى لحاها الله داء تبدت من على برد وريح وحلت جسم عبدالله ضيفا وعافت كل ذا الكون الفسيح أتيتك أيها الآسي فهبه دواءا فيه من طيب المسيح وزده رقية من محكماتٍ من الآيات والخبر الصحيح

الأدب المثمن: سلسلة في 16 جزءاً

جاءت سلسلة الأدب المثمن للمؤلف الأستاذ أحمد عبدالله الدامغ في طريقة أدبية متناغمة؛ حيث يتناول المؤلف عدداً من الموضوعات التاريخية وقضايا الساعة وعددا من قضايا الشأن الأدبي،و يختم كل موضوع بعدد من الأبيات التي تدور حول نفس الموضوع من ضمنها ما عرض له المؤلف وجاء بعنوان (هل العلوج والطراطير من قبيلة واحدة؟)، وتحدث فيه عن الحرب على العراق ووزير الإعلام السابق في النظام العراقي واستخدامه لمثل هذه الجملة، مبيناً استخدام لفظ علج والطرطور في قصيدة منها: إني أعيذك أن تنال بك التي تطغى العلوج بها على عدنان جدير بالذكر أن المؤلف أحمد الدامغ أحد الكتاب الثقافيين وله زاوية في صحيفة الجزيرة بعنوان (الشاهد بيت واحد)، وجاءت سلسلته الأدبية (الأدب المثمن) -التي مثلث عنواناً سابقاً لزاوية كان ينشرها في ثقافة الجزيرة- في ستة عشر جزءاً من القطع المتوسط، وصدرت عن مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة في الرياض.

السبت، 18 أبريل 2009

الإمام الشافعي لم يقل على قافية الحاء الا سبعة أبيات

ولا اريد هنا التحدث عن الامام الشافعي كصاحب عقيدة ومذهب فهو في هذا الجانب غني عن التعريف.. ولكن الذي اود ان اشير اليه هو ان الامام ابا عبد الله محمد بن ادريس الشافعي كان شاعرا مجيدا.. وقد عنى بجميع اشعاره والتعليق عليها الاستاذ محمد عفيف الزعبي واخرجها في ديوان سماه ديوان الامام الشافعي والملاحظ انه ليس للامام الشافعي قصائد مطولة وانما هي ابيات ومقتطعات قصيرة لكنها تعادل في قيمتها وما تحويه من حكمة ونصح وارشاد مطولات غيره من الشعراء بل تفوقها من حيث المستوى الادبي والتوجيهي. والبحث عن الدليل على اقلاله يقف بي عند قافية الحاء اذ فيها ما يكفي لذلك حيث لم يأت فيها بأكثر من ستة أبيات مجزأة تحت ثلاثة عناوين هي «فراسة مفتي» وتحته جاءت هذه التوطئة «وحدث الربيع بن سليمان قال: كنا عند الشافعي اذ جاءه رجل برقعة فنظر فيها وتبسم ثم كتب فيها ودفعها اليه قال: فقلنا يسأل الشافعي عن مسألة لا ننظر فيها وفي جوابها؟ فلحقنا الرجل واخذنا الرقعة منه فقرأناها واذا فيها:
سل المفتي المكي هل في تزاور
وضمة مشتاق الفؤاد جناح
قال واذا اجابه اسفل من ذلك:
أقول: معاذ الله ان يذهب التقى
تلاصق اكباد بهن جراح
قال الربيع فانكرت على الشافعي ان يفتي لحدث بمثل هذا فقلت: يا ابا عبد الله تفتي بمثل هذا شابا؟ فقال لي: يا أبا محمد هذا رجل هاشمي قد عرَّس هذا الشهر يعني شهر رمضان وهو حدث السن فسأل هل عليه جناح ان يقبل او يضم من غير وطء؟ فأفتيته بهذه الفتيا .. قال الربيع فتبعت الشاب فسألته عن حاله فذكر لي انه مثل ما قال الشافعي فما رأيت فراسة احسن منه. اما العنوان الثاني فهو «الفقه والتصوف متلازمان» وتحت هذين البيتين:
فقيها وصوفيا فكن ليس واحدا
فإني وحق الله اياك انصح
فذلك قاس لم يذق قلبه تقى
وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلح
وكان العنوان الثالث السكوت سلامة وتحته ثلاثة أبيات هي:
قالوا سكتَّ وقد خوصمت قلت لهم
ان الجواب لباب الشر مفتاح
والصمتُ عن جاهل او احمق شرفٌ
وفيه ايضا لصون العرض اصلاح
أمَا ترى الأُسْدَ تُخْشَى وهي صامتة
والكلب يخشى لعمري وهو نباح
وحول هذا المعنى يقول الشاعر دعبل الخزاعي:
وبع السفاهة بالوقار وبالنهى
ثمن لعمرك ان فعلت ربيح
من كتاب /الأدب المثمن

تأثير القرآن وأهله في حياة من ليسوا بأهله!!

كم نقرأ بين الحين والآخر في الصحف أسماء كثيرة يعلن أصحابها إسلامهم عن قناعة تامة وادراك عظيم بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يجب ان يعتنقه أهل الأرض جميعاً، ونقرأ أسباب إسلام بعضهم فنرى أحدهم يقول: أعجبني في الإسلام تكافل أهله فأسلمت ويقول آخر: أعجبني في الإسلام حثه على الفضائل والأخلاق الحميدة فأسلمت، ويقول آخر: أعجبني في الإسلام سماحته فأسلمت ويقول آخر: أثر في زميلي المسلم في العمل بحسن خلقه فأسلمت، أما الطبقات المثقفة من الذين اشهروا إسلامهم فكثيراً ما يذكرون ان سبب إسلامهم يعود إلى امعانهم في قراءة القرآن والأحاديث النبوية.. يقول محمد شريف الذي كان قسيسا في إحدى الكنائس الباكستانية: قصتي مع الإسلام طويلة، كنت نصرانياً «كاثوليكيا» أعيش مع والدتي التي تؤمن بالمذهب البرتغالي النصراني ووالدي البروتستانتي.. وعندما كنت في مقتبل فترة شبابي اعتنقت مذهب والدتي لكنني بمرور الوقت احسست بعدم قناعة لما تقوم به هذه الفرقة من أعمال وتصرفات فانتقلت إلى البروتستانتية فرحب والدي بذلك كثيرا وألحقني بإحدى الكنائس لأتخصص في علوم الانجيل.. وبعد انتهاء دراستي فيها تم تعييني قسيساً لصلات أبي الوطيدة برجال الكنيسة.. وعندئذ فكرت في التعمق في دراسة الأناجيل المختلفة حتى أصبح كفؤا لوظيفتي كقسيس فقرأت الأناجيل العديدة التي تعترف بها الكنيسة.. وهنا اكتشفت ذلك التناقض الرهيب الذي يصل إلى حد التضارب بين كافة الأناجيل فأحسست ان هذه الأناجيل مجرد قصص وأقاويل كتبها الناس في أزمنة متباعدة من نسج خيالهم طبقاً لرغباتهم وأهوائهم وميولهم النفسية.. وهكذا أعلنت اعتناقي المذهب الكاثوليكي حتى أجد المبرر الكافي للاستقالة من عملي في تلك الكنيسة دون إثارة الشبهات حولي وإثارة غضب عائلتي، ثم ابتعدت بشكل كلي عن العمل الكنيسي وطرحت مسألة النصرانية وراء ظهري.. أما بداية معرفتي للإسلام فقد كانت لدي فكرة عن الإسلام مفادها انه نسخة طبق الأصل عن اليهودية.. وكنت أعلم ان اليهودية تعد ديانة ملغاة لأنها جاءت قبل النصرانية، وكنت اسمع ان المسلمين يصلون ثلاث مرات يوميا، لكن عندما حضرت إلى المملكة عرفت من الناس انهم يعبدون إلهاً واحداً وليس آلهة ثلاثة مثلنا في المسيحية وهنا ادركت ضرورة الحصول على معلومات صحيحة عن الإسلام.. وقد حصلت على كتاب معاني القرآن الكريم وقد وجدت حينما قرأت الصفحات الأولى من سورة البقرة الاختلاف الهائل بين الإسلام والمسيحية.. ففي القرآن: «يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم» اما الانجيل فعبارات مثل: قال الرب للمسيح، أو قال المسيح للرب.. وهكذا ادركت ان القرآن كلام الله الذي لم يمسسه بشر بينما الانجيل مجرد كلام بين البشر وبناء على ذلك وعلى ما درسته من كتب إسلامية شرعية أشهرت إسلامي. وفي نزول القرآن وتأثيره يقول الشاعر محمد الشعبوني من قصيدة طويلة عنوانها «نزول القرآن»:
فالدين ليس عبادة قتلى ولا
ذكراً يردد في خفايا الزاوية
والدين ليس بنغمة مألوفة
يلقى بها اللاهون دنيا راضية
ما الدين الا قوة تسعى بها
للخير في فجر الحياة السارية
والمدعون بأنه متحجر
قد فاتهم ان الدعاوى عارية
ما شان هذا الدين إلا ثلة
شنت على الإسلام حرباً عاتية
وتسترت بلباسه وتنكرت
للنور تمشي في الظلام علانية
أما الجواهر فهي عن أنظارهم
مخفية وإلى الحقيقة بادية
ليس الكتاب المحتفى بنزوله
إلا سجلاً للمبادي العالية
من كتاب/ الأدب المثمن

مغنون لا يطربون إلا أنفسهم

لا أدري هل أعمم أم أبعّض في الحكم على أن مطربي زماننا هذا يغنون لأنفسهم ويطربون لغنائهم فيظنون أن الناس يطربون لما يطربهم فيتمادون في الجعجعة والقرقعة والطخطخة. والتطبيل والتزمير المنكر دون أن يستفتوا أهو الذوق فيما يؤدونه. وما يقدمونه من عمل غنائي. أو يسترشدون بل أو يستشيرون من لهم رأي في الغناء حتى يقيّموا أعمالهم الغنائية بأنفسهم ويعرفوا على أي درجة يقفون من سلم الطرب. ولو أردنا البحث عن أسباب تلك الفوضى الموسيقية لوجدنا أن المغنين في زماننا يعطون لأنفسهم الحكم على أنهم بمجرد معرفتهم لتحريك الآلة الموسيقية أو حتى قرع الطبل قد أصبحوا مطربين وعلى درجة من الكفاءة في الغناء وأن الناس ينظرون إليهم على أنهم أرباب مهنة ذات ذوق حسي تنقاد إليه كل أذن ويتفاعل معه كل ذي نفس وحس.. لكن الواقع الذي يعيشونه يرفض حكمهم الوهمي ويترجم صدى أغانيهم ترجمة تثبت أنها أصوات منكرة وغير مطربة وأنها إلى ايذاء أذن سامعها أقرب منها إلى تشنيفها.. قال الشاعر المصري أحمد الزين دعاني أحد المغنين في إحدى الليالي فحضرت إليه لأسمع غناءه فسمعت صوتاً سيئاً أشبه ما يكون بصوت الحمار. ولحنا سقيماً يقتل الذوق. ويخنق الشوق ويجلب الكآبة إلى النفس.. فقلت بعد سماعي لصوته القبيح ولحنه السيء هذه الأبيات:
حمار لا يمل من النهيق
يضيق به التجلد أي ضيق
مغن يجلب البلوى ويفني
بقايا الشوق في قلب المشوق
ثني الأوتار لو أمست سياطا
يصب بها على الجلد الصفيق
بطانته.. حماك الله.. رهط
كأن صياحهم جرس الحريق
دعاني للسماع رفيق سوء
فقلت عرفت عذري يا رفيق
وكانت ليلة يا ليت أني
دفعت بها لقطاع الطريق
وأوسعنا مغنيها غناءً
يزيل السكر من كأس رحيق
جزى الله المغني كل خير
عرفت به عدوي من صديقي.
من كتاب الأدب المثمن

للشعر حالة اذا ترجمه شاعر

ان الشعر العالمي الرقيق الاسلوب والرفيع المستوى له عشاق من كل حدب وصوب ولهذا فهو يفرض بذاتيته العظيمة وقيمته الادبية السامية على من يفهم لغته ان يترجمه الى من لا يفهم لغته حتى يدرك مستواه وقيمته. ونحن عندما نلقي نظرة على ترجمة الشعر الانجليزي أو الفرنسي او أي شعر مكتوب بغير لغتنا العظيمة.. لغة الجمال والاشتقاق والبديع.. لغة القرآن والبيان والايجاز والاعجاز.. نعرف مدى تبحر مترجمها في اللغة سواء كان كاتبا أو اديبا او شاعرا لانه بقدر مستوى المترجم تكون قيمة المادة المترجمة.. فالأديب البارع لا يعشق الا أدبا رفيعا ولا يترجم الا مادة ذات قيمة ولعلي لا اكون مخطئاً ان قلت ان للشعر خاصية في اسلوب الترجمة تختلف عما سواه من المواد الاخرى لأن الشعر فيه معان خفية ورموز واشارات يحتاج فهمها في بعض الاحيان الى فرضية وتلمس احتمالات وتحسس تقديرات. وهذه الملاحظة التي اسلفتها بما فيها من واقع.. قد خطرت لي عند قراءتي لأبيات نشرتها مجلة «اليمامة» في عددها 1158 الاربعاء 22 ذي القعدة سنة 1411ه للشاعر السعودي محمد بن سعد المشعان بعنوان «حب وعزلة» وكان اصل الابيات للشاعر جون كلير فترجمها شاعرنا المشعان بتصرف ترجمة لا اشك في انها ألبستها ثوبا عربيا أجمل من ثوبها الذي ولدت فيه كيف لا وقد تحولت ألفاظها الى لغة الضاد التي هي سر المحاسن التي تمتاز بها اللغة العربية على جميع اللغات. من تلك الابيات المترجمة:
اني كرهتك بين الناس صخَّابا
أو هى فؤادي ارهاقا وإتعابا
أرضى بسجني إن أقبض له ثمنا
هو انعتاقي من دنيا بدت غابا
أسير في الدرب في آفاق وحشته
ظلي رفيقي وشوقي صار غلابا
وأرقب الليل تلهو فيه انجمه
والكون يجري الى اخراه مرتابا
اواه من ذا تراه آخذ بيدي
الى يبات انعزال ضوؤه شابا
الى اعز مكان بت اعشقه
وارضه تلبس الحوذان جلبابا
ما ان يريك اخضرارا شاق منظره
حتى ترى ذهبا في الزهر خلابا
فودع الشعر واترك ما تُسرّ به
اني سأقطع من دنياك أسبابا
من كتاب /الأدب المثمن

على

لقد كانت لي جولة سريعة في ديوان الشاعر الشيخ عبدالله بن علوي بن محمد الحداد الذي عاش حتى النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري.. وقد حصلت من تلك الجولة على معلومة بأن الحداد كان ناظماً مبدعاً، وله أشعار رائعة جمعت في ديوان وسمي ب«الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم»، وقد احتوى هذا على قصائد مطولة معظمها يتصف بالنصح والارشاد.. وقد سلك في بنائها مسلك الشعراء الذين فضلوا السير في بناء القصيدة على نمط الشعر الجاهلي وصدر الإسلام الذي قلما تجد فيه قصيدة لم تكن مقدمتها أبياتاً غزلية أو وصفاً للأطلال. والشاعر الشيخ عبدالله الحداد كانت له وقفات ممتعة في شعره الذي يأخذ باب القارئ ويحمله على مواصلة قراءة ما احتواه «الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم» من قصائد ومنظومات حسان ذات نفس طويل. ولقد استوقفتني من تلك المطولات قصيدة بكى فيها على ذهاب أشياء كثيرة، خاصة منهاما يتعلق بتصرم أيام عمره تلك الأيام التي جدّ في ابداء أسفه على فقدانها دون أن يستفيد منها أو يكسب في مراحل مرور حياته بها شيئاً نافعاً يجده مدّخراً له. وقد سار بقصيدته تلك سيراً أشار فيه إلى أن بكاءه ماكان إلا على ذهاب كذا وعلى فوات كذا. وب «على» صدر أبياتاً كثيرة من تلك القصيدة تنوف على عشرين بيتاً متوالية منها قوله:
تفيض عيوني بالدموع السواكب
ومالي لا أبكي على خير ذاهب
على العمر إذ ولى وحان انقضاؤه
بآمال مغرور وأعمال ناكب
على غرر الأيام لما تصرمت
وأصبحت منها رهن شؤوم المكاسب
على زهرات العين لما تساقطت
بريح الأماني والظنون الكواذب
على أشرف الأوقات لما غبنتها
بأسواق غبن بين لاهٍ ولاعب
على صَرْ في الأنفاس في غير طائل
ولا نافع من فعل فضل وواجب
على ما تولى من زمان قضيته
وزجيته في غير حق وصائب
على فرصٍ كانت لو اني انتهزتها
فقد نلت فيها من شريف المطالب
من كتاب /الأدب المثمن

د. بسيم في قمة الإيثار على النفس

الشاهد بيت واحد

المحب يؤثر على نفسه في كثير من المواقف أو في كلها استجابة لرضاء من أحبه، وإذا ما اتفق على صحة ذلك، فمن الجائز أن نقول: إن الحب بمعناه الصحيح يسيطر على العقل، ويحمل المحب على الانصراف عن كل ما لم يكن له رابطة بمن أحب، طمعاً في رضا من كان يحبه.

والحب بمعناه الواسع ليس مقصوراً على عشق الجنس اللطيف والتغني بجماله ومفاتنه وتنميق عبارات التغزل فيه شعراً كان أو نثراً، يؤكد به على الإخلاص في إثبات صدق المحبة وتذكر دواعيها وأسباب قيامها، والمبالغة في توثيق روابطها والتعاهد على بقائها، وإنما هي تشمل وربما بقوة أشد مما يصفه المتغزلون، بمن يهيمون بهن، ألا وهو حب الأقارب وعلى رأسهم الوالدين والإخوان والأصدقاء، وكل من يشمله معنى الحب لدى كل إنسان.

ويبلغ إيثار هؤلاء وأولئك على أنفسهم درجة تجعل بعضهم يتمنى أن يكون السابق إلى الموت قبل الآخر، حتى لا يمنى بالحزن عليه وأن يكون هو المرثي لا الراثي.

من أولئك الشعراء الذين كانت لهم هذه الأمنية الشاعر المعاصر الدكتور بسيم عبدالعظيم عبدالقادر حيث يقول:

كم كنت أود أن تقول رثائي

لكن سبقت ففزت بالعلياء

هذا البيت قرأته ضمن دراسة قام بها الأستاذ الفاضل سعد عبدالرحمن البواردي لديوان الشاعر بسيم عبدالعظيم تحت عنوان (استراحة في صومعة الفكر) وقد نشر في المجلة الثقافية الملحقة بجريدة (الجزيرة) في العدد (246) يوم الاثنين 29 ربيع الآخر عام 1429هـ.

الجمعة، 17 أبريل 2009

حريملاء في قصيدة!!

وحريملاء بلدة كبيرة تقع شمال غرب مدينة الرياض على بعد 70 كم تقريبا وهي تدخل في مجموعة القرى التي يطلق عليها اسم المحمل وحريملاء بلدة تاريخية ورد ذكرها في كتب التاريخ, وقد كانت تعرف بحرملاء حيث ذكرها البكري المتوفى سنة 487ه وقال ابن خميس في كتابه معجم اليمامة سميت حريملاء بهذا الاسم لأنه يكثر فيها شجر الحرمل, ولم يعرف السبب في تصغيرها وجعلها حريملاء بدلا من حرملاء . أما القصيدة التي أشرت اليها في العنوان فهي لشاعر معاصر من أحد أبناء حريملاء هو عبدالعزيز بن ابراهيم السراء وقد هيجته ذكرى مرابع طفولته فأنشأها وبناها بعبارات حية استقطب بعضا من ذكريات طفولته وصورا من مراتعه وملاعبه ببلدته حريملاء. والجدير ذكره , بل الذي أود ان أطالب به كل شاعر هو ان يعطي بلده ومسقط رأسه شيئا من عمله الشعري فيذكر ملاعبه وأقرانه ويصف ما كانت عليه من حال يوم طفولته وما حصل لها من تطور عمراني مواكب للنهضة الحضارية التي عمت جميع ربوع بلادنا حتى يكون تاريخا وترجمة صادقة عن حالة بلدته,والذي نظر في دواوين الشعر يجد ان بعض الشعراء قد أدرك هذه المسؤولية فأوقعت شيئا من قصائده على ذكر موطنه وذكريات صباه. وقد أحسن الشاعر عبدالعزيز السراء صنعا حيث نظم قصيدة ما زلت أذكرها وكان يعني بلدته حريملاء وفيها يقول:
لا الدار داري ولا النخلات نخلاتي
ولا الجنان التي وافيت جناتي
أجهشت لما رأيت الدار مقفرة
وكدت أغرقها من حرد معاتي
وقفت في حائط البطحاء مدكرا
يكاد يخنقني حزني وعبراتي
ورحت أسألها أواه لو سمعت
أواه لو نطقت لو بالاشارات
ألست يا هذه الدار التي سمعت
حيطانها سحرة أولى صييحاتي؟!
ألست أنت التي دغدغت ساحتها
بركبتي لدى حبو وخطوات
ألست أنت التي نقّبتُ حائطها
بمطرق اللهو في أيام صبواتي
بلى ولكنها الأيام في عجل
تطوي معالمها طي السجلات
من كتاب /الأدب المثمن

حب الأوطان ليس مقصوراً على الإنسان!!

واذا عشق الضب جحره وبالغ في حبه فانه يعشقه لأنه بذل جهدا كبيرا في اختيار موقعه وفي حفره, ولذلك فهو يتفانى في الاحتفاظ به, بل يدافع عنه دفاع المستميت,, ومن صور دفاع الضب عن جحره, انه يقاتل الثعابين التي تحاول الاستيلاء عليه ويطردها منه دون خوف أو رعب من سمها القاتل ولا يقول كما يقول لها بعض الحيوانات: تمدد بها يا أبو طويل . أما الانسان فهو يقف دون وطنه وقفة لا يماثلها وقفة حيث يرخص دمه وحاله في سبيل سلامته. واذا ابتعدنا قليلا عن الدفاع عن الوطن, حيث لا يختلف اثنان في حتمية الدفاع عنه وصدق العزيمة على ردع اي معتدٍ عليه, ونظرنا إلى مكانته وأعني بذلك الوطن في قلب المواطن الصادق في حبه لوطنه, وجدنا أنه يتربع في قلبه, وأنه خلاصة الحب الممتزج بالدم, كيف لا ونحن نقرأ الكثير من الرسائل الوطنية التي تحتفظ بها صفحات التاريخ كوثيقة يستشهد بها على أن البعد عن الوطن يزيد في حبه, ويبعث الحنين اليه. ولعل السر في ذلك يرجع الى عمق الايمان اولا ثم الى هواء استقر في الرئة عند لحظة الولادة واستودع القلب منه شيئا امتزج بالدم امتزاجا فرض حبه على النفس مدى الحياة. أما الوطن نفسه فهو عندما يطالب لسان حاله بحقه,, يعرض صورة ذهنية تشتمل على ما طبعته الخطوات الاولى التي بدأ بها المواطن اثناء محاولته المشي من اثر فوق اديمه,, وكأنما هو وأعني بذلك الوطن يقول: هذه صفحة مختومة باثر اقدامك التي خطوت بها اول مرة على ترابي,, فهل تنساها؟ فيجيبه المواطن,, كلا والف كلا. واذا كان لوطن ما ميزة عقدية اوحضارية على سائر الاوطان فان هناك مجالا للافتخار والانتماء اليه والمملكة العربية السعودية فيها ما يجعل سلطان المفاخرة فوق كل اعتبار فهي مهبط الوحي وفيها بيت الله الحرام ومسجد وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا فانه لاغرو ان يتعشق رؤيته سائر المسلمين وان يحن اليه المواطن عندما يغترب عنه,, ومن صورالحنين اليه هذه الابيات التي قالها الشاعر عبدالله محمد جدع عندما كان مغتربا عن وطنه المملكة العربية السعودية,, من تلك الابيات قوله:
قسماً بمن عنت الجباه لوجهه
وبمن اليه القصد في الغايات
اني سأذكر ما حييت منازلا
فيها ابتدأت اوائل الخطوات
وعلى ثراها عاش مبعوث الهدى
للعالمين بمحكم الآيات
ياموطني يارمز عز في الدنى
لا أرض غيرك ارتضي لرفاتي
فاذا قضيت ففي رضاك شهادتي
وإذا حييت فأنت رمز حياتي
بعد الإله ودين رب محمد
أنت المنار وأفتديك بذاتي
بلدي اتوق إلى أذ ان منائر
للحق تدعونا وللصلوات
واليوم كم ضاق الفؤاد بغربة
فيها شقيت وأذرفت عبراتي
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

أثناء العودة من الشلة!!

ما أكثر ما نسمع من حوادث السيارات,, ولقد أوشكت أخبار تلك الحوادث المفجعة أن تكون بسبب تواترها وكثرتها أخبارا عادية لا تثير في النفس أسى لأن تبلد الشعور بسبب تردادها قد أطفأ حرارة مشاعرها لدى سامعها,, والتدقيق في بعض أسرار بعض تلك الحوادث يكشف عن أشياء مشينة ومخزية لعل أبسطها أن يكون بعض مرتكبيها من أعضاء شلة كانت بداية اجتماعاتها سمر وسهر ليل ثم يدخل في محيطها أشياء كانت وليدة أفكار شريرة مثل تعاطي الشراب والمخدرات,, وكأنما السمر لا يطيب الا بها فيتطور الأمر حتى يصل الى درجة الادمان. ومن الصور المؤلمة التي تحققها نتائج بعض الحوادث ما تكون متمخضة عن تصرف جنوني اثناء قيادة السيارة أثناء الانصراف من مجلس الشلة حيث يكون قد داخل العقل سموم المخدرات فعجزت أجهزة التركيز عنده على السيطرة على مراكز القوى البدنية حيث دبت الهلوسة في أعضاء جسمه النظرية منها والسمعية والحركية,, والفكرية فلم يعد في مقدوره توجيه سيارته توجيها فنيا صحيحا فيحصل بسبب ذلك ما لا تحمد عقباه من اصطدام أو انقلاب أو دهس أو ما الى ذلك مما يسىء ويشمت. ولم يغفل أصحاب الأقلام عن التنويه والتشهير بهذه الحوادث التي تكون بسبب ادمان المخدرات والهلوسة أو الغطرسة,, فقد نبهوا الى ذلك وكتبوا عنه الكثير والكثير,, ومما أعجبني مما قيل في هذا الموضوع مقطوعة,, من أرجوزة ساخرة للشاعر الفلسطيني صالح عبدالله الجيتاوي والتي يقول فيها:
يا راكب المرسيدس المننمه
في أمة مشلولة منومه
لا تزد هي يا خال واعلم انمه
ترقبك الفاجعة المحتمه
في ليلة مشهودة منتقمة
تبدؤها بسهرة محتدمه
في رفقة شريرة ملتئمه
على كؤوس الخمرة المضطرمه
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

غزل ببعض حروف المعجم

أن يشبه شاعر الغزل محبوبته بالغزال من حيث الرشاقة وحسن الالتفاتة وجمال العينين والعنق فذاك شيء معتاد لا يقوم فارق بين الشعراء في استخدامهم له الا على حسن السبك وجودة الصياغة, واختيار مواقع التشبيه. وأن يشبه الشاعر معشوقته بغصن البان من حيث الليونة ومشية التبختر واعتدال القوام فذلك ما كان مطروقا من قبل الشعراء عامة, فهم يرون في غصن البان والخيزران والموز, وما الى ذلك من كل غصن لين مستقيم يوافق حاله ما يشبهونه به. وان يشبه الشاعر جمال الوجه بالقمر من حيث صفاء اللون ونقاء البشرة وبالشمس من حيث شدة البياض والتميز عن الاقران بكلثمة الوجه وغير ذلك, فذلك ما كان معهوداً لدى الشعراء القدامى خصوصاً الذين تقدمت حياتهم على اكتشاف القمر, وهبوط الانسان على سطحه ومعرفة طبيعة جغرافيته حيث علم انه مجرد كوكب ذي جبال وأودية وأخاديد, وان الضوء الذي يصدر منه ماهو الا مجرد انعكاس أشعة الشمس من على سطحه الى الارض ليس, الا. اما الشعراء الذين علموا بحالة القمر الجغرافية فقد ضربوا صفحا عن التشبيه به بل صرفوا شاعريتهم عن تشبيه الغواني, وذوات الحسن والجمال به. وهذه الاشياء التي كانت عدة لشعراء الغزل عندما يعن لهم الوصف في تغزلاتهم قد نظر بعضهم الى عاديَّتها وكثرة ولوع الشعراء بها فراح يبحث عن غيرها مما يليق بتشبيه محبوبته به, فوجد في أشكال بعض الحروف الهجائية ما يمكن ان يشبه به, وذلك مثل قول الشاعر ابراهيم بن عبدالرحمن بن علي الخياري المتوفي سنة 1083 من قصيدة له:
الف بن مقلة في الكتابة قده
حاشا فعاذله سما باللين
والثغرميم كلنا صاد له
والصدغ مثل الواو في التحسين 1
وعلى الجبين بشعره سين بدت
سلب العقول بطرة وجبين 2
قد ادركت في الحسن غايته لذا
حار ابن مقلة عند تلك السين
والعينُ مثل العين لكن هذه نجلاء فاقت عين حور العين
سبحان من خلق العيون بقول كن
فبدت لسلب نفوسنا في الحين
ياللرجال ويالها من فتنة
كم أو قفتني في مواقف هون
حتى شهدت بديع حكمة خالق
في وضع ذاك النقط فوق النون
1 الصاد هنا بمعنى العطشان وليس المعنى بحرف الصاد 2 صدر البيت لأبي سناء الملك والقصيد كلها تشطير وتعجيز لنونية ابن سنا الملك. من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

التاجر والتجارة

والتجارة اذا لم تكن موقوفة في معناها ومفهومها المادي على المال المتبادل فإنه يقصد بها أشياء أخرى ومعان كثيرة,, فالرجل المهذار يقال له تاجر كلام,, وتجارة الآخرة العمل الصالح الذي يعمله الانسان في الدنيا. ولقد ورد ذكر التجارة في القرآن الكريم في عدة مواضع منها ما جاء في سورة البقرة آية 16: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ومنها ما جاء في سورة فاطر آية 29: إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور . اما التاجر فهو ذلك الذي نما ماله, بأي مفهوم قابل لمعنى التجارة ومتمخض عن الأخذ والعطاء والتداول الرابح. ومن التجار من يلتمس سمو المعنى لكلمة تاجر ويبحث عن مدلول قيم لمفهومها حتى يفخر ويفاخر بها,, ونتيجة لذلك البحث توصل بعضهم الى تحليل لحروفها الاربعة وما ترمز اليه من أشياء تدعو الى الافتخار بها. فقال: التاء من التقوى والالف من الامانة, والجيم من الجسارة, والراء من الرحمة. وفي هذا المعنى التحليلي قال الشاعر المصري محمد خيل الخطيب:
ياتاجراً لك في حروفك مرشد
إن تتبعه فأنت أنت الغانم
تا التقى ألف الأمانة بعده
جيم الجسارة من هو راحم
والعملة النقدية هي الرابط الاساسي بين التاجر والمستهلك فاذا قلّت في يد المستهلك كسدت التجارة, يقول احدهم:
وفي السوق حاجات وفي النقد قلة
وليس بمقضي الحاج غير الدراهم
والوفى في الكيل ضمان لكثرة المشترى يقول أحدهم:
اذا ما تاجر لم يوف كيلا
فصُبّ على أنامله الجذام
ويقول أحدهم ان الطمع في دراهم الاقارب وأبناء العم ربما كان سببا في الفرقة:
بني عمنا ردّوا الدراهم انما
يفرق بين الناس حب الدراهم
والحلم اذا لم يسنده مال وتجارة يوشك أن يودي به الجهل:
ربُّ حلم اضاعه عدم الما
ل وجهلٍ غطى عليه النعيم
ويقول أحمد بن أبي طاهر:
ولا يساوي درهما واحدا
من ليس في منزله درهم
ويقول آخر:
ولا خير في الدنيا لمن لم تكن له
دنانير فيها جُمّةٌ ودراهم
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

دهر شاعر

لا ينفك الدهر من ألسنة الناس، ولا يخلو كلامهم شبه اليومي من الإشارة إليه,, فهم بين شاكٍ من قسوته وراضٍ عن حالته، ومتضرر من ميله ومتنعم باعتداله، وبينهما لاعب على حبليه. ووصف حالة الناس مع الدهر ربما استحالت الإحاطة بها على القلم استحالة تأبى التكامل والحصر, وتند عن الدقة. وإذا كان للدهر نصيب من الحديث عن اختلاف أمزجة الناس وطباعهم وتقاليدهم وثقافاتهم، وتباين مشاربهم، وتنوع أذواقهم وأفكارهم وجميع ما يرتبط بحياتهم بصفة عامة, فإنه من الصعب بل من الصعب جداً الوقوف على جميع أقوال الناس في الدهر. وإذا ما أردنا إلقاء نظرة عابرة على جانب الشكوى من الدهر في مختلف حالاته وهو أكثر ما يطالعنا به أهل الفكر والحكمة،واصحاب الأقلام وذوو الدراية, فإن في الشعر ما يسد ويغني عن غيره في النظر إلى هذا الجانب من واقع الدهر الذي يتبادله البياض والسواد بالوصف من أهله. ولقد رأيت أن أصحب الشاعر أبا الحسن علي بن محمد التهامي المولود عام 360ه والمتوفى عام 416ه في الوقوف على جانب من واقع الدهر لنرى وجهة نظره في حال الدهر, والتي أفرغ جانباً كبيراً منها في قصيدته التي امتدح بها أبا الحسن علي بن طاهر الفرغاني, واستهلها بتلميحات غزلية, منها قوله:
وكذا الدهر يتبع اليسر عسرا
والهوى بالنوى ونُعمى وبُوسا
هكذا صرفُه يُصرِّف في الناس
بجرح يُداوى وآخر يُوسى
يُضحك اليوم ذا وفي الغد يبكي
ه فكلاً ترى ضحوكا عبوسا
وهو يعطي الخسيس حظا نفيسا
ثم يعطي النفيس حظا خسيسا
فترى الفاضل الأديب أخا الفه
م على عظم قدره منحوسا
دهرنا والد ونحن بنوه
فات في حبه لنا التنفيسا
قسم الحظ في بنيه بجور
فبذا أصبح المروس رئيسا
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

ذكريات الصف الأول الابتدائي!!

قد ينسى الانسان ما يمر به من أحداث في مراحل التعليم وما يصادفه من مواقف مع زملائه او معلميه او حتى مع نفسه,, لكن ذكريات اليوم الاول، بل السنة الاولى التي يلتحق بها كتلميذ بالمدرسة لا تنسى ابداً، إذ إن فيها ما فيها من التغير البيئي مايثير الدهشة فبيئة المدرسة ومظهرها المتمثل في تجمع الصبية بالكم الذي لم يعهده التلميذ المستجد يوجد في نفسه تغيراً ملحوظاً فهو في الايام الاول يعيش بين حلم وواقع ولكنه مع مرور الايام يتبلد الشعور لديه ويصبح ذلك المظهر الذي هزّ كيانه وبهره شيئاً مألوفا وطبيعياً. ومع الاستقرار النفسي وتأقلمها مع جو المدرسة والاندماج مع الزملاء وأسرة المدرسة جميعاً تبدأ الحركات الصبيانية، ويبدأ المزاح بين الزملاء وترتفع الاصوات بصورة غير طبيعية في بعض الاحيان، ويبدأ التعبير عما في النفس بالحركة وبالكلام,, والمعلم الذي لايحتمل عبث الصبية الصغار وما يرتكبونه من اخطاء عفوية هو الذي يشقى في تهذيبه وتأديبهم بالعصا حيناً وبرفع الصوت والتوعد بالعقاب حيناً آخر. ثم تسير قافلة التعليم فاذا الذي كان بالامس في الصف الاول الابتدائي ومتخوفاً من المدرسة يصبح طبيباً او معلماً أو تاجراً او كاتباً او شاعراً او مهندساً, لكنه لاينسى ذكريات الايام الاول من التحاقه بالمدرسة,, ولهذا فان الكثير من اولئك قد سجل تلك الذكريات في اسلوب اشبه ما يكون بالشريط السينمائي, والشاعر له نصيب وافر في تصوير ذلك الشريط كيف لا وهذا الشاعر ابراهيم عبدالله عبدالفتاح قد سجل ذكريات الطفولة التي قضاها في مقعد الدرس في الصف الاول الابتدائي في قصيدة قوامها سبعة عشر بيتاً استعرض فيها سذاجة الطفولة وبراءتها,, منها قوله:
في مقعد الدرس كنا
سعادةً حين نشقى
هذا يدغدغ هذا
وذاك نؤذيه رشقا
وذاك نسمع منه
على المقاعد طرقا
حتى إذا ما أثرنا
مايشعل الغيظ عمقا
ألقى المعلم صوتاً
يفور سخطا وحمقا
وهزّ سوطا رشيقا
فوق الرؤوس والقى
عينا على وجه طفل
تحت المقاعد ملقى
وآخر كان يلهو
بثالث منه أشقى
والحقيقة انها ذكريات تعبق ببراءة الطفولة: ومن ذا الذي لا يلتفت الى طفولته ليقتطع بذكرياتها سويعات من هموم أعباء حياته؟! من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

المدن تمتص القرى لكنه يبقى لها ذكرى

يقولون وهو قول صحيح المدن تمتص القرى وهم يعنون بذلك السكان أي أن سكان القرى المجاورة للمدن يتحولون إلى المدن حيث التجمع السكاني والكثافة التي تتطلب تنوع مصادر المعيشة فتحصل الحيوية والحركة والازدهار واتساع العمل واستقطاب الأعداد الهائلة من العمال. ولو لم يكن هناك امتصاص لما كان هناك فارق في عدد السكان بين المدن والقرى ولما كان هناك فارق في حركة الأسواق التجارية والنشاطات المعمارية بينهما. أما القرية فهي تعتبر من حيث الأمن الغذائي المصدر الرئيسي للمدينة, لا من المحصول الزراعي فحسب بل من المنتوجات الرعوية كالأغنام والأبقار والإبل وغير ذلك مما تحتاجه المدينة من لحوم وغيرها. ولقد كانت حياة القرية في الزمن السابق حياة كلها شقاء وكد ونصب إذا ما قورنت بالحياة في المدينة التي كلها رفاه ورخاء ورغد عيش وتنعم,, أما اليوم وقد اتصلت القرية بالمدينة اتصالا وثيقا ومباشرا يتمثل في الطرق التي تربط بينهما والتماثل في توفر وسائل الاتصال البريدية والهاتفية وغيرها من الخدمات التي توفر سبل الراحة مثل الكهرباء والبث الاذاعي والتلفزيوني, فإن الحياة قد تكون أهدأ وأريح بالا وأوفر راحة نفسية. ولا أستبعد أن تكون القرية اليوم هدفا لكل طامع في الراحة,, وليس أدل على ذلك من ملاحظة ميل الفئات الخاصة من الناس ورجال الأعمال الى العودة الى قراهم, بل ان أكثرهم يخطط لذلك عندما يتقدم في السن أو يحال الى المعاش, حيث إنه لا يجد أهدأ من القرية وأصفى من جوها بل ان الذكرى تعود به اليها,, وكم نظم الشعراء من القصائد التي لا تخلو من التوجد من الذكريات الجميلة التي لا تمحوها حضارة المدينة,, من ذلك قصيدة الشاعر محمد حسن العمري التي جعل عنوانها القرية منها قوله:
وقفت بها مسترسلا في التأمل
فأحسست من فرط الجوى بالتعول
وقفت بها مثل الغريب مسلما
عليها فما أنكرت أهلي ومنزلي
لقد كاد قلبي أن يذوب صبابة
مع أنه أعجوبة في التجمل
وقد عشت في أهلي وبين عشيرتي
صبورا على الأحداث غير مدلل
ولكن أشجان الليالي تزاحمت
أمامي فجئت اليوم كالمتوسل
أناجي حصاها مغرما بترابها
ومستغرقا في حبها المتأصل
أناجي بأشواق المحبين قريتي
وإن ظهرت لي بالرداء المهلهل
أدين لها بالحب قلبا وقالبا
وفاء ودين الحرّ غير مؤجل
والقصيدة أطول من ذلك فهي تبلغ نحواً من 29 بيتاً. من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

عدالة الشهود في دعوى الحب!!

الحب الذي يقابل بالصد أو بالهجران، ويذبح بالفراق والنأي، يتجسد في هيكل حزين يندب حظه ويستصرخ محبوبه بكل ما يملك من وسائل توضيحية ينقل من خلالها ما يعانيه من شوق مبرح. والوسائل التي يترجم بها العشاق ما يخالج نفوسهم من واقع يعايشونه وحدهم كثيرة ومتعددة، منها ما يكتب ويقرأ ومنها ما يكتم ويتستر عليه، والبكاء وانهمار الدمع شاهد لا تجرح شهادته. وإذا تجاوزنا النظر فيما يبعثون به من تأوهات عبر رسائلهم التي يزجونها على أجنحة الشوق ثم نظرنا الى هيئاتهم لوجدنا أثر العشق ظاهرا ومقروءاً على ملامحهم. واذا كان البعد المكاني يفصل بين المتعاشقين فإن وسيلة التعبير عن البكاء من أشد تلك الوسائل لوعة وتلهفا، خصوصاً إذا أودعت بكل فنية في قوالب شعرية,, فإن قارئها يحس بحرارة توهجها ولا يشك أبدا في مصداقية قائلها. والشعراء بين مطالب بتزكية دموعه واعتبارها شاهدا لا تجرح شهادته، وأنهم إنما أرخصوها لتترجم ما يتغلغل في وجدانهم مما يلاقونه من معاناة في سبيل عشقهم,, وبين من يتستر على عشقه فتفضحه دموعه التي لا يمكن الجرح في عدالتها كما أسلفت. والشاعر ابن نفادة واحد من الشعراء الذين طرقوا هذا المعنى الخاص باعتبار الدمع شاهداً لا جرح فيه بل ويزكيه تقرح الجفون:
وأكتم ما ألقى ودمعي يذيعه
وقد نطقت منه به ألسن فصح
وتقريح أجفاني من الدمع شاهد
يزكيه في حكم الهوى القذف والجرح
أما الشاعر مجد الدين الأربلي فيقول في هذا المعنى:
قلبي وطرفي ذا يسيل دما وذا
دون الورى أنت العليم بقرحه
وهما بحبك شاهدان وإنما
تعديل كل منهما في جرحه
أما الشاعر نجم الدين اسرائيل فيدعو معشوقه بأن ينظر الى دموعه واعتبارها شاهدا على صدق عشقه، لكن محبوبه يطعن في عدالة شاهده، وذلك بقوله:
بكيت من وجدي عليه دما
فناظري بالدمع مقروح
وقلت طرفي في الهوى شاهد
فقال ذا الشاهد مجروح
ويحقق الشاعر محيي الدين يوسف بن ذبلاق بأن استحالة الدمع إلى دم ربما يشك في أنه دمع هيجه العشق فتجرح شهادته إذا ما عرضها واش من الوشاة:
فإن سفحت عيناي دمعي أحمرا
فلا عجب سيل العقيق من السفح
أيجعله الواشي على الخد شاهدا
وحمرته في الجفن تؤذن بالجرح؟!
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

التاريخ يلزم نفسه بتسجيل الحكايات ذات الأبيات!!

إن جاز لي أن أشبه أي مُؤَلَّفٍ أدبي أو غير أدبي بالمائدة الشهية التي تقبل عليها النفس منقادة لشم رائحتها,, وتمتد إليها اليد المعبرة عن الجوع الدافع لصاحبها إلى تناولها, فإن الشعر في ذلك المؤلّف يكون بمثابة الملح لتلك المائدة التي يسيل لشمها ورؤيتها اللعاب, حتى وإن زاد مقدار الملح فيها فإنها لا تتأثر بزيادته تأثراً يحد من الاقبال عليها, بل ربما جعلها أكثر استمراء في حلاقيم أكلتها,, لكنه متى ماقلّت نسبة الملح فيها فلا استمراء لها بل ربما جعل منها مائدة معافةً, وغير مستساغة إن لم تكن غير مقبولة على الاطلاق, أما إذا فُقد الملح منها فانها بالطبع سوف لا تكون مشتهاةً حتى وان كانت منوعة المأكولات. ولنلقي نظرة عابرة على مايلقى في مجالس السمر ومحاضرات الأدباء والملوك والأمراء لندرك بها أن الحكاية المطعمة بالشعر هي التي تتسرب إلى الذهن وتترسب فيه, وذلك بفعل وقع نظم الأبيات التي تضمنتها الحكاية أما إذا كانت الحكاية خالية من شاهد من الشعر فكأنما هي خبر عادي لا يستحق مكاناً في صفحة التأريخ,, ومما احتفظ التاريخ به من الحكايات ذات الابيات ما ذكره ابن رشيق القيرواني في العمدة من أن بعض العمال حمل إلى يزيد بن معاوية مالاً جليلاً فقطع عليه قسيم الفنوي فأخذه, وأمر يزيد بطلبه, فلما حصل بين يديه قال: ما حملك على الخروج علينا, وأخذ مال يحمل الينا؟ قال: إذنُك يا أمير المؤمنين أعزك الله, قال: ومتى أذنت لك؟ قال: حين قلت وأنا أسمعك:
اعص العواذل وارم الليل عن عرض
بذي سبيب يقاسي ليله خببا
كالسّيد لم ينقب البيطار سرّته
ولم يدجه ولم يقطع له لببا
حتى تصادف مالاً أو يقال فتى
لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا
فعصيت عواذلي, وأسهرت ليلي, وأعملت جوادي, فاصبت مالاً, قال: قد سوغناكه فلا تعد. ويروى ان سليمان بن عبدالملك غضب على الشاعر الفرزدق وذلك حينما استنشده لينشده فيه أو في أبيه فانشده مفتخراً عليه بقوله:
وركب كأن الريح تطلب عندهم
لها ترةً من جذبها بالعصائب
اذا استوضحوا ناراً يقولون: ليتها
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فتبين غضب سليمان, وكان نصيب حاضراً فأنشده:
أقول لركب قافلين رأيتهم
قفا ذات أو شال ومولاك قاربُ
قفوا خبروني عن سليمان إنني
لمعروفه من أهل ودّانَ طالب
فعاجوا فاثنوا بالذي أنت أهله
ولو سكتوا انثنت عليك الحقائب
فقال: يا غلام أعط نصيباً خمسمائة دينار, وألحق الفرزدق بنار أبيه, فخرج الفرزدق مغضباً. ,, وعلى هذا نقيس مكانة الشعر في الحكاية.
إن جاز لي أن أشبه أي مُؤَلَّفٍ أدبي أو غير أدبي بالمائدة الشهية التي تقبل عليها النفس منقادة لشم رائحتها,, وتمتد إليها اليد المعبرة عن الجوع الدافع لصاحبها إلى تناولها, فإن الشعر في ذلك المؤلّف يكون بمثابة الملح لتلك المائدة التي يسيل لشمها ورؤيتها اللعاب, حتى وإن زاد مقدار الملح فيها فإنها لا تتأثر بزيادته تأثراً يحد من الاقبال عليها, بل ربما جعلها أكثر استمراء في حلاقيم أكلتها,, لكنه متى ماقلّت نسبة الملح فيها فلا استمراء لها بل ربما جعل منها مائدة معافةً, وغير مستساغة إن لم تكن غير مقبولة على الاطلاق, أما إذا فُقد الملح منها فانها بالطبع سوف لا تكون مشتهاةً حتى وان كانت منوعة المأكولات. ولنلقي نظرة عابرة على مايلقى في مجالس السمر ومحاضرات الأدباء والملوك والأمراء لندرك بها أن الحكاية المطعمة بالشعر هي التي تتسرب إلى الذهن وتترسب فيه, وذلك بفعل وقع نظم الأبيات التي تضمنتها الحكاية أما إذا كانت الحكاية خالية من شاهد من الشعر فكأنما هي خبر عادي لا يستحق مكاناً في صفحة التأريخ,, ومما احتفظ التاريخ به من الحكايات ذات الابيات ما ذكره ابن رشيق القيرواني في العمدة من أن بعض العمال حمل إلى يزيد بن معاوية مالاً جليلاً فقطع عليه قسيم الفنوي فأخذه, وأمر يزيد بطلبه, فلما حصل بين يديه قال: ما حملك على الخروج علينا, وأخذ مال يحمل الينا؟ قال: إذنُك يا أمير المؤمنين أعزك الله, قال: ومتى أذنت لك؟ قال: حين قلت وأنا أسمعك:
اعص العواذل وارم الليل عن عرض
بذي سبيب يقاسي ليله خببا
كالسّيد لم ينقب البيطار سرّته
ولم يدجه ولم يقطع له لببا
حتى تصادف مالاً أو يقال فتى
لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا
فعصيت عواذلي, وأسهرت ليلي, وأعملت جوادي, فاصبت مالاً, قال: قد سوغناكه فلا تعد. ويروى ان سليمان بن عبدالملك غضب على الشاعر الفرزدق وذلك حينما استنشده لينشده فيه أو في أبيه فانشده مفتخراً عليه بقوله:
وركب كأن الريح تطلب عندهم
لها ترةً من جذبها بالعصائب
اذا استوضحوا ناراً يقولون: ليتها
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فتبين غضب سليمان, وكان نصيب حاضراً فأنشده:
أقول لركب قافلين رأيتهم
قفا ذات أو شال ومولاك قاربُ
قفوا خبروني عن سليمان إنني
لمعروفه من أهل ودّانَ طالب
فعاجوا فاثنوا بالذي أنت أهله
ولو سكتوا انثنت عليك الحقائب
فقال: يا غلام أعط نصيباً خمسمائة دينار, وألحق الفرزدق بنار أبيه, فخرج الفرزدق مغضباً. ,, وعلى هذا نقيس مكانة الشعر في الحكاية.
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

رسالة إلى أبي العلاء المعري!!

يا ابا العلاء المعري,, يامن اشعلت بأدبك ومعرفتك وفلسفتك عالم الدنيا اما تخشى الله في وصفك كل من لا يعرف سبعين اسماً للكلب بالكلب؟!! ان هذا لظلم عظيم واجحاف في حق من ليس له في اللغةالعربية نصيب يا ابا العلاء انه بامكانك ان ترد على ذلك الشخص الذي عثرت برجله في مجلس الشاعر الشريف المرتضي وقال لك حينما عثرت برجله من هذا الكلب ان تترفع عن اجابته بأن تقول له من باب التعجيز والافتخار بالعلم والمعرفة والثقافة الواسعة الكلب من لا يعرف سبعين اسماً للكلب وكأنك بذلك تقول له مباشرة انت الكلب وذلك لعلمك انه قل من يعرف سبعين اسماً للكلب,, بل ولا سبعة اسماء,, ولا استبعد انك شغلت بذلك بال مضيفك المرتضي فهو الآخر الذي ربما انه لا يعرف سبعين اسماً للكلب. يا ابا العلاء هل كنت تريد بتلك الشمولية في الحكم ان تحض الناس على حفظ اسماء الكلب حتى يستبرئوا من حكمك؟,, يا ابا العلا ليتك قلت له مثلما قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه حينما عثر برجل نائم في المسجد فقال له النائم مابك هل انت مجنون؟ فرد عليه عمر لست مجنوناً ومضى وقدهمّ خادمه ان يؤدب ذلك النائم فمنعه عمر وقال دعه, سألني أأنا مجنون، فأجبته. يا ابا العلاء ليتك قلت لصاحبك لست كلباًوكفى ولكن فلسفتك ابت عليك ذلك,يا ابا العلاء ان ردك اللاذع جعل كثيراً من العلماء يبحث بجدية عن صدق قولك في ان للكلب سبعين اسماً حتى لا يشملهم وصفك فمن اولئك العلماء العالم جلال الدين السيوطي الذي الف كتيباً سماه التبري من معرة المعري وقد وقف فيه على ان للكلب سبعين اسماً كما قلت وبرئ من تلك الشمولية التي اطلقتها,, وقد نظم تلك الاسماء في ارجوزة طويلة استهلها بذكر السبب الذي حمله على نظمها وذلك بقوله:
لله حمد دائم الوليّ
ثم صلاته على النبيّ
قد نقل الثقات عن ابي العلا
لما اتى للمرتضي ودخلا
قال له شخص به قد عثرا
من ذلك الكلب الذي ما ابصرا
فقال في جوابه قولاً جلي
معبراً لذلك المحيهل
الكلب من لم يدر من اسمائه
سبعين موحياً الى علائه
وقد تتبعت دواوين اللغة
لعلني اجمع من ذا مبلغه
فجئت منها عدداً كثيراً
وأرتجى فيما بقي تيسيرا
وقد نظمت ذاك في هذا الرجز
ليستفيدها الذي عنها عجز من كتاب الادب المثمن / احمد الدامغ

الحياة في نظر الطفل!!

الطفل حينما يفتح عينيه على الحياة لايبصرها إلاّ مجرد مجموعة من الأشياء المتحركة التي لايعرف كنه تحركها, والثابتة التي لايعرف سر ثبوتها, وجل ما يعرفه أن جميع أشياء الحياة لاتكلف شيئاً, بل يعتبرها أموراً بسيطة كبساطة نفسه التي مازالت متسربلة بأثواب براءة الطفولة وطيارتها فلا يعرف معنى الصبى، الذي أثقل كاهل والده, ولا مكابدة الحياة التي يكد ويكدح أبوه للحصول على رضائها. ولقد صور الشاعر محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة 1377 حياة الطفل الذي لم يدرك واقع الحياة في قصيدة من إحدى قصائدها التي ضمها ديوانه خواطر الحياة منها قوله مخاطباً الفتى بقوله:
وقضيت حيناً لا تسرُّ ضغينة
يوماً ولاتبدي الرضا تدليسا
ثم يصور الطفل عندما تبدأ مرحلة الإحساس عنده ببعض جوانب الحياة عن طريق المشاهدة، ومعرفة أسرارها وكنه وجود الأشياء القريبة منه.
وشعرت من رُعيا أبيك بأن في
بناء قومك سائساً ومسوسا
لكن هذا الإدراك البدائي لايعطى الفقه التام لمعنى مايحدث فوق الأرض من مخالفات ذات صبغة غير مألوفة وتأثير سيىء يصدر من بعض الناس إلى الناس وإنما يظن الحياة فردوسا ونعيما مقيما:
ماكنت تفقه إن فوق الأرض مج
روماً عليه وجارماً غطريساً
ولهذا فقد ظننتها أيها الطفل البريء فردوساً حتى بلغ بك الإدراك ظلم بعض لبعض وهضم حق الضعيف فيها:
فظننتها الفردوس حتى أبصرت
عيناك حق ضعيفهم منحوساً
ثم ينقل محمد حسين الصورة إلى تصوير ما يحدث من تغيرات أثناء الحياة وكيف أن الأمر يكون لمن يملك القوة وأن الضعيف متى ماقوي سلب ممن كان قوياً قوته وأصبح الآمر والناهي عليه:
يسطو القوي على الضعيف وربما
صار الضعيف على القوي رئيساً
وفي أسلوب توجيهي يحث الطفل على أن يستمر على براءته وطهارته التي ولد عليها
أعطيت مطلع أسعد فحذار أن
يضع الهوى بدل السعود نحوساً
هي فطرة الخلاق كالمرآة لا
تلقى بها عوجاً ولاتدنيسا
ثم يحقق أن الشهامة في مواجهة الخطوب وترويضها:
والشهم من عانى الخطوب وراضها
فغدت أرق من النسيم مسيسا من كتاب الادب المثمن / احمد الدامغ

عيون من عيون الشعر عن العيون

والحديث عن العيون يطول ويتسع اتساع ما تدركه العين نفسها من رؤية والدليل على ذلك ان القارئ لو القى نظرة على أي عمل أدبي ناهيك عن دواوين الشعر فانه لابد واجدا للعين حضورا فيها على اي صورة وبأي مفهوم لان أهل الأدب وأرباب الشعر والكتابة يجعلون لكل شيء عينا مبصرة او عينا معنوية يستخدمونها كرمز لابراز ما يصفونه من الاشياء التي تخطر لهم فيها خواطر تلزمهم بالكتابة عنها. ولا اريد هنا ان اذكر شيئا من النماذج التي يكون للعين حضور فيها فقد سبق هذا الموضوع عدة موضوعات تناولت فيها العين بشيء من التفصيل عن تأثيرها في بعض جوانب الحياة وذكرت الشيء الكثير عن ذاتها وسيلحق هذا الموضوع ان شاء الله موضوعات اخرى اتطرق فيها للعين من زوايا اخرى ومن جوانب لها فيها اثر وتأثير. ولا بأس ان اكتفي في هذا الموضوع بذكر شيء من عيون الشعر في العيون مقتصرا على ذكر ما قيل في وصفها وتأثيرها وما لها من هيبة وما فيها من رقة تجلب الهوى وتفتح باب الغزل. يقول احد الشعراء معبرا عن هيبة العين:
أفكر ما اقول اذا التقينا
واحكم دائبا حجج المقال
فترتعد الفرائص حين تبدو
وانطق حين انطق بالمحال
اما عن البكاء وتأثير الدموع على الكحل فيقول احدهم:
فيا حسنها اذ يغسل الدمع كحلها
واذهى تذرى الدمع منها الأنامل
عشية قالت في العتاب قتلتني
وقتلي بما قالت هناك تحاول
أما تأثيرها على من تصوب نحوه فيظهر في قول الشاعر:
وتنال ان نظرت اليك بطرفها
مالا ينال بحده النصل
ويقول احدهم واحسبه امرىء القيس:
وماذرفت عيناك الا لتضربي
بسهمك في اعشار قلب مقتل
وقد تفوق العين بنظرتها ما يفعله السيف والسنان يقول الشاعر:
شبه السيف والسنان بعيني
من لقتلي بين الانام استحلا
فأتى السيف والسنان فقالا
حدنا دون ذاك حاشا وكلا
من كتاب الادب المثمن / احمد الدامغ جريدة الجزيرة العدد:10264

من هو أكيل السبع؟ هل هو عتبة أم عتيبة؟!

ومن أولاد أبي لهب عتبة وعتيبة ومعتب هكذا قال بعض الاخباريين وأصحاب التواريخ والسير والذي يهمنا في هذه العجالة هو معرفة أكيل السبع من بينهم. وتكاد تجمع كتب السير والتفاسير على أن أكيل السبع هو عتبة,, فأبو الفرج الاصفهاني صاحب الاغاني المتوفى سنة 356ه والزمخشري المتوفى سنة 538ه وابن كثير المتوفى سنة 774ه يجمعون باختلاف في الأسلوب على ان عتبة بن ابي لهب ويكنى بابي واسع قد جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه والنجم إذا هوى فقال: أنا أكفر برب النجم إذا هوى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارسل عليه كلباً من كلابك, قال ابن العباس: فخرج عتبة الى الشام في ركب فيهم هبار بن الاسود حتى اذا كانوا بوادي الغاضرة وهي مسبعة - نزلوا ليلاً فافترشوا صفا واحدا,, فقال عتبة بن ابي لهب: أتريدون ان تجعلوني حجرة سياجاً لا والله لا أبيت إلا وسطكم، فبات وسطهم, قال هبار: فما انبهني إلا والسبع يشم رؤوسهم رجلاً رجلاً حتى انتهى إليه فانشب أنيابه في صدغيه فصاح,, أي قوم قتلني,, قتلني, فامسكوه فلم يلبث ان مات في أيديهم,أما ابن هشام المتوفى سنة 213ه فقد نقل سيرته عن ابن اسحاق المتوفى 151ه قصة زواج عتبة بن ابي لهب من رقية أو أم كلثوم وان قريشاً طلبوا إليه طلاقاها كجانب من جوانب معاداة محمد صلى الله عليه وسلم فاستجاب وطلقها ولم يذكر ابن هشام القصة السابقة ولا عتيبة ومعتب,, اما الدليل على أن عتبة هو أكيل السبع فلأنه لم يذكر في الذين اسلموا كما ذكر عتيبة ومتعب. وقد ذكر حسان بن ثابت رضي الله عنه قصة قتل السبع لعتبة وذلك في قوله:
من يرجع السبع العام إلى أهله
فما أكيل السبع بالراجع
لا يرفع الرحمن مصروعكم
ولا يوهن قوة الصارع
وكان فيه لكم عبرة
للسيد المتبوع والتابع
من عاد فالليث له عائد
أعظم به من خبر شائع
سائل بني الأشعر أن جئتهم
ما كان أنباءُ بني واسع
إذ تركوه وهو يدعوهم
بالنسب الأقصى وبالجامع
والليث يعلوه بأنيابه
منعفراً وسط دم ناقع
وحسان بن ثابت رضي الله عنه هو الذي يقول:
اعرض عن العوراء إن أُسمعتها
واقعد كأنك غافل لا تسمعُ
1 هذا الموضوع اختصرته من دراسة نشرتها مجلة الأزهر الجزء الأول السنة 63 المحرم 1411ه بقلم الاستاذ السيد حسن قرون ومن ديوان حسان بن ثابت رضي الله عنه.
من كتاب الادب المثمن / احمد الدامغ جريدة الجزيرة

حوار مع شيخ طرق بابي ليلاً قبل ليلة العيد" قصيدة"

طرق الباب ونادى: يا معين
فأجبت: ليس ذابيت المعين
انه جاري,, ولكن اسمه
مثل ما أعرفه: عبدالمعين
قال ما ناديت شخصاً باسمه
أقصد العون فهل لي من معين؟
ففتحت الباب كي أفهم ما
يقصد الطارق في الليل السكين
فاذا بالباب شيخ منحن
يسكب الدمع ويفضي بالأنين
قلت من أنت وما الأمر الذي
قد دهاك الآن على استبين
قال لا استطيع قولاً انني
شيخ قوم خانني الحظ اللعين
ثم ان العيد من بعد غد
هو آت يبحث الجرح الدفين
عندما يخرج كل طفله
بجديد وعيالي مخلقين
قلت شيخ القوم يشكو قومه
سوء ما مسه من جور السنين
قال لا قوم هنا أشكو لهم
فرق الدهر جميع الأقربين
غير اني مسلم يدنو الى
إخوة في الدين والدنيا يقين
سوف لا أشكو سواهم فهم
ان قسى الدهر يواسون الحزين
فاستحل القلب مني قوله
انني ارجو جميع المسلمين
أيها القوم هلموا واعطفوا
ان في الناس شيوخا معوزين
من لهم ان تبخلوا في مدهم,,؟
ما سواكم محسن للمقعدين
ثم ان الله أوصى من له
بسطة في المال مد السائلين
ان جفوتم من على الأرض فلا
تأمنوا ربا يهين الظالمين
أيها القوم ألسنا أمة
تنقذ العاجز ان مد اليدين
ابحثوا سرا فان لم تعلموا
فاسألوا جهراً تدلوا,, العاجزين
واعمدوا ليلاً اليهم وامسحوا
بعطاكم دمع ناس محوجين
واجعلوهم قبل يأتي عيدنا
بقدوم العيد قوماً مفرحين
وازرعوا البهجة في أطفالهم
وامنحوهم نظرة الود المكين
انما الدنيا ظلال زائل
يلحق القاعد فيه الظاعنين
رأسمال المرء فيه بسمة
عز من يطبعها في الناشئين
وعطاء دونما من ولا
كبرياء يستذل البائسين
وخضوع عن يقين ثابت
ان من أعطاه يعطي الآخرين
ورضاء عن شعور صادق
ان ربي سوف يجزي المحسنين جريدة الجزيرة العدد:10314 من كتاب الادب المثمن / احمد الدامغ

الإنسان يكتسب من طبيعة أرضه بعض صفاتها!!

واذا كانت طبيعة كل أرض تؤثر في كل من يعيش عليها من حيث اللون فانه من الطبيعي ان تؤثر فيه من حيث الطبع ايضا ومن المعروف بل من المشاهد ان طبيعة اهل السواحل تختلف عن طبيعة أهل الصحراء لأن كلا منهم قد اكتسب من طبيعة أرضه بعض صفاتها كقسوتها ولونها ووعورتها وسهولتها وهدوئها وعنفها وما الى ذلك من تضاريسها ومناخها. ولا اريد هنا ان اضع مقارنة او مفاضلة بين الانسان الصحراوي والساحلي بقدر ما اريد وقفية الحديث على صحراوي الجزيرة العربية بالذات الذي اكتسب من شموخ جبالها همته ومن سهولها دماثة اخلاقه ومن صفاء جوها كرم طبعه ومن اتساع أفقها سعة خياله ومن زرقة سمائها هدوء نفسه ومن نسيمها وتغريد طيورها واريج خزامها وعبير عرارها ونشر عرفجها وروائح جثجاثها وقيصومها شاعريته التي تتدفق اصالة لا تضاهيها شاعرية ليست من بنات أفكار الصحراوي. واذا كان كل يمجد وطنه ويعلي شأنه ويحلو محاسنه بذكر مآثره التي تميزه عما سواها فان انسان الصحراء يجد في صحرائه ما يشبع نهمه في الوصف والتصوير والخيال,, يقول احد الشعراء المعاصرين وهو الشاعر محمد راجح الأبرش واصفا الصحراء وعلاقة انسانها بها في قصيدة طويلة نشرتها له المجلة العربية في عددها 169 صفر سنة 1412ه اقتطف منها قوله:
على آفاقها عرف الاباء
وفي ساحاتها برز الوفاء
وفي جنباتها الفرسان تترى
ومن اخلاق فتيتها الغداء
هل الصحراء كم ربت رجالا
وأشبالا تباركها السماء
بطولات واقدام وعزم
مزايا في طليعتها الاباء
وتألفها وتألفنا زمانا
اجل في حبنا يبدو الصفاء
وكثبان الرمال على امتداد
توضح في شوامخها الاباء
صحارينا تعلمنا دروسا
فبعد الصبر يبتدر الجزاء
احب مكارم الصحراء واني
فخور كلما ذكر المضاء
اما جملة أبيات القصيدة المنشورة فهي ثلاثة وأربعون بيتا.
من كتاب الادب المثمن / احمد الدامغ جريدة الجزيرة العدد 10321