الجمعة، 17 أبريل 2009

عدالة الشهود في دعوى الحب!!

الحب الذي يقابل بالصد أو بالهجران، ويذبح بالفراق والنأي، يتجسد في هيكل حزين يندب حظه ويستصرخ محبوبه بكل ما يملك من وسائل توضيحية ينقل من خلالها ما يعانيه من شوق مبرح. والوسائل التي يترجم بها العشاق ما يخالج نفوسهم من واقع يعايشونه وحدهم كثيرة ومتعددة، منها ما يكتب ويقرأ ومنها ما يكتم ويتستر عليه، والبكاء وانهمار الدمع شاهد لا تجرح شهادته. وإذا تجاوزنا النظر فيما يبعثون به من تأوهات عبر رسائلهم التي يزجونها على أجنحة الشوق ثم نظرنا الى هيئاتهم لوجدنا أثر العشق ظاهرا ومقروءاً على ملامحهم. واذا كان البعد المكاني يفصل بين المتعاشقين فإن وسيلة التعبير عن البكاء من أشد تلك الوسائل لوعة وتلهفا، خصوصاً إذا أودعت بكل فنية في قوالب شعرية,, فإن قارئها يحس بحرارة توهجها ولا يشك أبدا في مصداقية قائلها. والشعراء بين مطالب بتزكية دموعه واعتبارها شاهدا لا تجرح شهادته، وأنهم إنما أرخصوها لتترجم ما يتغلغل في وجدانهم مما يلاقونه من معاناة في سبيل عشقهم,, وبين من يتستر على عشقه فتفضحه دموعه التي لا يمكن الجرح في عدالتها كما أسلفت. والشاعر ابن نفادة واحد من الشعراء الذين طرقوا هذا المعنى الخاص باعتبار الدمع شاهداً لا جرح فيه بل ويزكيه تقرح الجفون:
وأكتم ما ألقى ودمعي يذيعه
وقد نطقت منه به ألسن فصح
وتقريح أجفاني من الدمع شاهد
يزكيه في حكم الهوى القذف والجرح
أما الشاعر مجد الدين الأربلي فيقول في هذا المعنى:
قلبي وطرفي ذا يسيل دما وذا
دون الورى أنت العليم بقرحه
وهما بحبك شاهدان وإنما
تعديل كل منهما في جرحه
أما الشاعر نجم الدين اسرائيل فيدعو معشوقه بأن ينظر الى دموعه واعتبارها شاهدا على صدق عشقه، لكن محبوبه يطعن في عدالة شاهده، وذلك بقوله:
بكيت من وجدي عليه دما
فناظري بالدمع مقروح
وقلت طرفي في الهوى شاهد
فقال ذا الشاهد مجروح
ويحقق الشاعر محيي الدين يوسف بن ذبلاق بأن استحالة الدمع إلى دم ربما يشك في أنه دمع هيجه العشق فتجرح شهادته إذا ما عرضها واش من الوشاة:
فإن سفحت عيناي دمعي أحمرا
فلا عجب سيل العقيق من السفح
أيجعله الواشي على الخد شاهدا
وحمرته في الجفن تؤذن بالجرح؟!
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق