الجمعة، 17 أبريل 2009

التاريخ يلزم نفسه بتسجيل الحكايات ذات الأبيات!!

إن جاز لي أن أشبه أي مُؤَلَّفٍ أدبي أو غير أدبي بالمائدة الشهية التي تقبل عليها النفس منقادة لشم رائحتها,, وتمتد إليها اليد المعبرة عن الجوع الدافع لصاحبها إلى تناولها, فإن الشعر في ذلك المؤلّف يكون بمثابة الملح لتلك المائدة التي يسيل لشمها ورؤيتها اللعاب, حتى وإن زاد مقدار الملح فيها فإنها لا تتأثر بزيادته تأثراً يحد من الاقبال عليها, بل ربما جعلها أكثر استمراء في حلاقيم أكلتها,, لكنه متى ماقلّت نسبة الملح فيها فلا استمراء لها بل ربما جعل منها مائدة معافةً, وغير مستساغة إن لم تكن غير مقبولة على الاطلاق, أما إذا فُقد الملح منها فانها بالطبع سوف لا تكون مشتهاةً حتى وان كانت منوعة المأكولات. ولنلقي نظرة عابرة على مايلقى في مجالس السمر ومحاضرات الأدباء والملوك والأمراء لندرك بها أن الحكاية المطعمة بالشعر هي التي تتسرب إلى الذهن وتترسب فيه, وذلك بفعل وقع نظم الأبيات التي تضمنتها الحكاية أما إذا كانت الحكاية خالية من شاهد من الشعر فكأنما هي خبر عادي لا يستحق مكاناً في صفحة التأريخ,, ومما احتفظ التاريخ به من الحكايات ذات الابيات ما ذكره ابن رشيق القيرواني في العمدة من أن بعض العمال حمل إلى يزيد بن معاوية مالاً جليلاً فقطع عليه قسيم الفنوي فأخذه, وأمر يزيد بطلبه, فلما حصل بين يديه قال: ما حملك على الخروج علينا, وأخذ مال يحمل الينا؟ قال: إذنُك يا أمير المؤمنين أعزك الله, قال: ومتى أذنت لك؟ قال: حين قلت وأنا أسمعك:
اعص العواذل وارم الليل عن عرض
بذي سبيب يقاسي ليله خببا
كالسّيد لم ينقب البيطار سرّته
ولم يدجه ولم يقطع له لببا
حتى تصادف مالاً أو يقال فتى
لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا
فعصيت عواذلي, وأسهرت ليلي, وأعملت جوادي, فاصبت مالاً, قال: قد سوغناكه فلا تعد. ويروى ان سليمان بن عبدالملك غضب على الشاعر الفرزدق وذلك حينما استنشده لينشده فيه أو في أبيه فانشده مفتخراً عليه بقوله:
وركب كأن الريح تطلب عندهم
لها ترةً من جذبها بالعصائب
اذا استوضحوا ناراً يقولون: ليتها
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فتبين غضب سليمان, وكان نصيب حاضراً فأنشده:
أقول لركب قافلين رأيتهم
قفا ذات أو شال ومولاك قاربُ
قفوا خبروني عن سليمان إنني
لمعروفه من أهل ودّانَ طالب
فعاجوا فاثنوا بالذي أنت أهله
ولو سكتوا انثنت عليك الحقائب
فقال: يا غلام أعط نصيباً خمسمائة دينار, وألحق الفرزدق بنار أبيه, فخرج الفرزدق مغضباً. ,, وعلى هذا نقيس مكانة الشعر في الحكاية.
إن جاز لي أن أشبه أي مُؤَلَّفٍ أدبي أو غير أدبي بالمائدة الشهية التي تقبل عليها النفس منقادة لشم رائحتها,, وتمتد إليها اليد المعبرة عن الجوع الدافع لصاحبها إلى تناولها, فإن الشعر في ذلك المؤلّف يكون بمثابة الملح لتلك المائدة التي يسيل لشمها ورؤيتها اللعاب, حتى وإن زاد مقدار الملح فيها فإنها لا تتأثر بزيادته تأثراً يحد من الاقبال عليها, بل ربما جعلها أكثر استمراء في حلاقيم أكلتها,, لكنه متى ماقلّت نسبة الملح فيها فلا استمراء لها بل ربما جعل منها مائدة معافةً, وغير مستساغة إن لم تكن غير مقبولة على الاطلاق, أما إذا فُقد الملح منها فانها بالطبع سوف لا تكون مشتهاةً حتى وان كانت منوعة المأكولات. ولنلقي نظرة عابرة على مايلقى في مجالس السمر ومحاضرات الأدباء والملوك والأمراء لندرك بها أن الحكاية المطعمة بالشعر هي التي تتسرب إلى الذهن وتترسب فيه, وذلك بفعل وقع نظم الأبيات التي تضمنتها الحكاية أما إذا كانت الحكاية خالية من شاهد من الشعر فكأنما هي خبر عادي لا يستحق مكاناً في صفحة التأريخ,, ومما احتفظ التاريخ به من الحكايات ذات الابيات ما ذكره ابن رشيق القيرواني في العمدة من أن بعض العمال حمل إلى يزيد بن معاوية مالاً جليلاً فقطع عليه قسيم الفنوي فأخذه, وأمر يزيد بطلبه, فلما حصل بين يديه قال: ما حملك على الخروج علينا, وأخذ مال يحمل الينا؟ قال: إذنُك يا أمير المؤمنين أعزك الله, قال: ومتى أذنت لك؟ قال: حين قلت وأنا أسمعك:
اعص العواذل وارم الليل عن عرض
بذي سبيب يقاسي ليله خببا
كالسّيد لم ينقب البيطار سرّته
ولم يدجه ولم يقطع له لببا
حتى تصادف مالاً أو يقال فتى
لاقى التي تشعب الفتيان فانشعبا
فعصيت عواذلي, وأسهرت ليلي, وأعملت جوادي, فاصبت مالاً, قال: قد سوغناكه فلا تعد. ويروى ان سليمان بن عبدالملك غضب على الشاعر الفرزدق وذلك حينما استنشده لينشده فيه أو في أبيه فانشده مفتخراً عليه بقوله:
وركب كأن الريح تطلب عندهم
لها ترةً من جذبها بالعصائب
اذا استوضحوا ناراً يقولون: ليتها
وقد خصرت أيديهم نار غالب
فتبين غضب سليمان, وكان نصيب حاضراً فأنشده:
أقول لركب قافلين رأيتهم
قفا ذات أو شال ومولاك قاربُ
قفوا خبروني عن سليمان إنني
لمعروفه من أهل ودّانَ طالب
فعاجوا فاثنوا بالذي أنت أهله
ولو سكتوا انثنت عليك الحقائب
فقال: يا غلام أعط نصيباً خمسمائة دينار, وألحق الفرزدق بنار أبيه, فخرج الفرزدق مغضباً. ,, وعلى هذا نقيس مكانة الشعر في الحكاية.
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق