الجمعة، 17 أبريل 2009

دهر شاعر

لا ينفك الدهر من ألسنة الناس، ولا يخلو كلامهم شبه اليومي من الإشارة إليه,, فهم بين شاكٍ من قسوته وراضٍ عن حالته، ومتضرر من ميله ومتنعم باعتداله، وبينهما لاعب على حبليه. ووصف حالة الناس مع الدهر ربما استحالت الإحاطة بها على القلم استحالة تأبى التكامل والحصر, وتند عن الدقة. وإذا كان للدهر نصيب من الحديث عن اختلاف أمزجة الناس وطباعهم وتقاليدهم وثقافاتهم، وتباين مشاربهم، وتنوع أذواقهم وأفكارهم وجميع ما يرتبط بحياتهم بصفة عامة, فإنه من الصعب بل من الصعب جداً الوقوف على جميع أقوال الناس في الدهر. وإذا ما أردنا إلقاء نظرة عابرة على جانب الشكوى من الدهر في مختلف حالاته وهو أكثر ما يطالعنا به أهل الفكر والحكمة،واصحاب الأقلام وذوو الدراية, فإن في الشعر ما يسد ويغني عن غيره في النظر إلى هذا الجانب من واقع الدهر الذي يتبادله البياض والسواد بالوصف من أهله. ولقد رأيت أن أصحب الشاعر أبا الحسن علي بن محمد التهامي المولود عام 360ه والمتوفى عام 416ه في الوقوف على جانب من واقع الدهر لنرى وجهة نظره في حال الدهر, والتي أفرغ جانباً كبيراً منها في قصيدته التي امتدح بها أبا الحسن علي بن طاهر الفرغاني, واستهلها بتلميحات غزلية, منها قوله:
وكذا الدهر يتبع اليسر عسرا
والهوى بالنوى ونُعمى وبُوسا
هكذا صرفُه يُصرِّف في الناس
بجرح يُداوى وآخر يُوسى
يُضحك اليوم ذا وفي الغد يبكي
ه فكلاً ترى ضحوكا عبوسا
وهو يعطي الخسيس حظا نفيسا
ثم يعطي النفيس حظا خسيسا
فترى الفاضل الأديب أخا الفه
م على عظم قدره منحوسا
دهرنا والد ونحن بنوه
فات في حبه لنا التنفيسا
قسم الحظ في بنيه بجور
فبذا أصبح المروس رئيسا
من كتاب الادب المثمن /احمد الدامغ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق